مدينة يجرها حصانان في اتجاهين مختلفين
مِثْلُ جَمْرٍ تُذكيه الريح ليلا أضواؤكِ، ترقدين تحت نجوم بها تحترقين، على دمعها أتملى طلعتي وآتيكِ ...أين أقتل عطشي يا حمراء وضرعك عصره المارون قبلي ؟ ...ممن أطلب السقيا وأنت امرأة تدفع عنها من لا يأتيها بالدراهم ؟
الحزن فيك قديم وقد بقيتِك كما الدنيا بنهد واحد. عكازكِ أسكن فيه المتسولون عاهاتهم وطلبوا البداية في يد الغريب ...جئتك ِأطلب ظل النخيل، وعسل العروق..أبعث الرماد..قادم من مدائنَ مكسوفاتٍ يمشطن حزينات في المحيط، يبحثن عن معنى للوجود..يحدقن في البعيد..وآية القمر، جئتكِ أطلب ماء، فرجعت بالملح في فمي وعيني َّ وملء يديَّ.
قادم من بحر أعيتني سفائنه، ذاهب في بحر تخلقني مدائنه ..أحمل إليك خبر موجه ..وحكايات لا تعرفينها عن السندباد...إليكِ حملت رحى ثقيلة لأسمع فيها صياحي ولِتشربي ما تبقى ....
أين يا امرأة الضياع نلتقي؟ يا امرأة بنهد واحد..!؟
يحاصرك الجبل بذيله الجائع وتُمزق الذئاب نهدك الضائع ...
ثم انشغلت بأسمالك عن فِنائك وفَنائك، عن العرج في عينيك ...عن تلك الحكاية.. وكل غريب يتحدث عن النخيل..عن صومعة و "كناوة * " ويترك أعقاب سجائره ورائحة الإبطين في فراشك..
ها.. كفاي ..انظري فيهما لتري حُزنك ..اغتسلي لو شئت فيهما ومنهما ..اكتبي على لسان المؤرخ الرسمي ما تشائين ...خلقوك من حجر وتراب وماء فاخلقي وجهي مما تشائين ..اخلقيه تمثالا للزمن ولمَّا تستطيعين.
« كَناوي » حزين أنا، أرقص وأحزم النغم الكئيب على جبهتي، وأمضي في أغنياتي، إلى حيث تتحول الدمعة فيَّ موجة أو حكاية ..أرويها لغرباء لا يأبهون ..وفي الأفق رأيتك مثلي بنارك تحترقين ..
خيول هي وعربات تعلف يد العجوز وتجتر على مضض ضِحكة السائح مع دمعة غامضة..وكان البحر مثلي بعيدا كعادته...عن رؤاك المروِّعة، عن ساعة مُعطَّلة في مِعصمك وقبور شاع ذكرها، يلعب فوقها الجرذ ساخرا..لكنهم علَّقوك فوق الجدار،وكتبوا عنك ساخرين : « دْنْيا ويا مْجْمَعْ الثْمَر، اللْسانْ عْسَلْ والقْلوبْ حْجَرْ » وسمَّوك أغنية ونُكتة ...وبحر مداد.
رأيتكِ طفلة تبكي وصومعة تلعن جروحها. فلتغلقي دوني الأبواب، فلغتك ضِحكة ودموع، ولا تنتظري بعد اليوم قدومي، فأمامي بحور سبعة على امتداد مُدن الضياع في القلب، وليقولوا بنت الدنيا راودته عن نفسه فأبى ...ما شاءوا فليقولوا....
مراكش/ نونبر 1994.
